mercredi 3 février 2010

( Port Lyautey)القنيطرة : الذكرى المئوية للمدينة الأوروبية


يستغرب المرْءُ في القنيطرة من حماس أولئك الذين يريدون تخليد ذكرى المارشال ليوطي وتكريم بعض معمري المنطقة الذين قطنوا القنيطرة !!! و للتمويه على ذلك اتخذوا لهذا ″الاحتفال/الاحتفاء″ عنوانا هو : ( الذكرى المئوية للقنيطرة ) وكأنها لم توجد من قبل وانتظرت مجيء ليوطي لإنشائها إلا أن ذلك لم ولن ينطلي على كل مطلع على تاريخ هذه المنطقة .


فنظرا للتزوير الذي طال تاريخ المنطقة أصبح ذكر مدينة القنيطرة يجعل اسم "ليوطي" يقفز إلى الذهن لتركيز السلطات الكولونيالية عبر كل الوسائل المتوفرة لديها على جعله خالق هذا الموقع ، هذا الادعاء الكولونيالي الذي لازال الكثير من أنصاره يتشبثون به حيث توجد نماذج لهذا الفكر على سبيل المثال لا الحصر في كتاب : "Conquête du Maroc : René Millet":

" تقبل إنجلترا مبدأ تفوقنا في المغرب، إلا أنها تضع شروطا قاسية لذلك ، ليس فقط قبولنا بالتنازل عن كل حقوقنا في مصر و على الأراضي الجديدة ، ولكن في المغرب نفسه نلتزم بعدم تشييد أي حصن على المضيق بل أبعد من ذلك ، إلى مصب نهر سبو ......(.ص 16)

لقد ألمَّت لحظة حزن عميق بين الذين يسمون باحتقار - المعمرون – والذين يطالبون بلقب وطني..... (ص22 )

بالنسبة لهم الوطن الفرنسي لا ينتهي البتة عند مرسيليا ، إنه يستمر على الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط ...يتمنون العمل في سلام لبناء فرنسا جديدة على أنقاض إفريقيا الرومانية ....( ص22 )

إنه ليس غزوا نحن نعلم ذلك ، لكنها « عملية مسح جيدة » كما تقول جاندارك Jeanne d’Arc وهاهي الأمور قد عادت لنصابها" ( الصفحة : 22 ) Texte Archive > Canadian Libraries

نموذج آخر كتاب " نهضة المغرب:عشر سنوات من الحماية " La Renaissance du Maroc : Dix Ans de Protectorat:

"هذا المغرب الذي هو ملكنا، يجب أن يضم إلى الوطن الأم " ( الصفحة: 149)


في 23 فبراير 2005 يصادق البرلمان الفرنسي على قانون إعادة الاعتبار للمعمرين إبان المرحلة الكولونيالية و الاعتراف بالخدمات التي قدموها لفرنسا ،بل فرض تدريس ذلك بالمدارس الفرنسية


يقول القانون في مادته الأولى: "تعبر الأمة الفرنسية عن عرفانها للنساء والرجال الذين شاركوا في المهمة التي أنجزتها فرنسا في مقاطعاتها السابقة بالجزائر وتونس والمغرب والهند الصينية، وفي كل البلدان التي كانت تحت السيادة الفرنسية، وتعترف الأمة الفرنسية بالآلام التي كابدها والتضحيات التي بذلها المرحلون، والأعضاء السابقون في التشكيلات الإضافية والمدمجون والضحايا المدنيون والعسكريون خلال الأحداث المتعلقة بمسار استقلال هذه المقاطعات، وتعرب لهم ولعائلاتهم بصورة علنية عن عرفانها".

المادة الرابعة : "يجب أن تركز المقررات الدراسية بالخصوص على الدور الإيجابي للتواجد الفرنسي في ما وراء البحار خاصة في إفريقيا الشمالية وتمنح لتاريخ وتضحيات مجاهدي الجيش الفرنسي في هذه البلدان المكانة اللائقة بهم"


لقد كان هذا القانون بمثابة الإشارة التي أيقظت ذاكرة الشعوب المستعمرة سابقا، للنبش في تاريخها.


ففي هذا السياق عقد "مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل"يوم الاثنين 16 نونبر 2009، بالخزانة الوطنية بالرباط ، ندوة تحضيرية دولية حول « الحماية الفرنسية بالمغرب بين التاريخ، والذاكرة، و السياسة»

من بين محاورها : * الانتهاكات الظاهرة والخطيرة لحقوق الإنسان خلال الفترة الاستعمارية.

تحضيرا للأسبوع الدولي لمناهضة الكولونيالية .


يقول مثل إفريقي : " مادام الأسود لا يتوفرون على مؤرخيهم ، فإن قصص الصيد ستستمر في تمجيد الصياد "



و الآن نعود إلى تسمية القنيطرة : تذكير بأهم الأحداث :


في سنة 1681 م (1092ھ) يسترجع المغاربة قصبة المعمورة على يد السلطان مولاي إسماعيل ويطلق عليها اسم «المهدية" بعد أن كان الإسبان قد حذفوا اسم " المعمورة" ليعوضوه ب San Miguel de Ultramar

في هذا التاريخ يظهر اسم "القنيطرة" ( تصغير قنطرة ) ، حيث أن واد الفورات - آخر رافد نهر سبو – كان يمثل حاجزا في فصل الشتاء- عند ارتفاع منسوب المياه- بالنسبة للتجار المتوجهين من سلا إلى فاس والعكس .

وحيث أن هذا الطريق كان يطلق عليه طريق السلطان أو طريق المخزن ، قام القائد علي الريفي تحت إمرة مولاي إسماعيل ببناء قنطرة فوق واد الفورات سنة 1685م

فحمل الموقع اسم " القنيطرة " منذ ذلك التاريخ أي 1685م .

إلا أن هذا الممر المنحصر بين غابة المعمورة والمرجة و واد الفورات كان خطيرا ، حيث أن قبائل زمور و بني حسن كانوا يهاجمون التجار المارين ب " القنيطرة " .

لوضع حد لانعدام الأمن قام السلطان مولاي الحسن سنة 1892 م ببناء " قصبة القنيطرة" على بعد 1350 متر من قنطرة واد الفورات . و تم بناؤها سنة 1895 (1313 ه ) على يد السلطان مولاي عبد العزيز.


يقول " إدمون دوتي" Edmond Douté في كتابه " Mission au Maroc –en tribu " واصفا قصبة القنيطرة سنة 1901 الصفحة p 141 :

« 23 يونيه 1901 ،على يسارنا تمتد غابة المعمورة الكبيرة ، مأوى زمور المنيع . وأخيرا في الساعة السادسة وخمس دقائق ، وصلنا نهر سبو:إنه جد متسع هنا وفي هذا الفصل ، إنه يجعلنا نتخيل نهرا فرنسيا .

و في الساعة السابعة ، نصل " القصبة العامرة " لامعة في بياضها، بجانب سبو


لقد كانت قصبة القنيطرة مخصصة لتكون :

* مبيتا للمحلات الملكية

* و القوافل التجارية

* واستقبال الجيوش العابرة

* ومحطة للبريد

* وعندما وقعت قلاقل في الرباط بسبب الشريف مولاي امحمد الذي دعا لمبايعته ،تم استسلامه وحبسه بدارالمخزن بالرباط قبل أن يقوده الحاج بنعيسى برﯖاش خليفة السلطان نحو فاس ومبيتهما هما والحرس المصاحب لهما بقصبة القنيطرة .

هذه نماذج مما كانت تعرفه قصبة القنيطرة من أنشطة في مختلف الميادين.


هكذا حملت هذه القصبة والتكتل السكاني المحيط بها اسم " القنيطرة ".

وعند الإنزال الفرنسي سنة 1911 كان يقطن حول القصبة جماعات :

* الساكنية

* اولاد اوجيه

* ﯖيش الحدادة

* مهداوة الذين كانوا يقطنون قصبة مهدية قبل إجلائهم عنها عند الإنزال سنة 1911

* بالإضافة إلى الشرفاء البوشتيين


هؤلاء السكان قطنوا هذه النقطة الجغرافية منذ مئات السنين ، وكانت القنيطرة بالنسبة لهم هي هذه " النقطة الجغرافية والتاريخية " وليست " نقطة في الفضاء " كما قال ليوطي.


الأوروبي الذي وصل القنيطرة قبل نقل القاعدة العسكرية من مهدية إليها هو السويسري الجنسية " روبير موسار" Robert MUSSARD الذي يكتب في مذكراته المعنونة ب : « Souvenir du vieux Maroc » :


«بعد شهر من استقراري (1911) قال لي" الجيلالي" ( مغربي صريح وأمين والذي سرعان ما أصبح رجل ثقتي):

إن الساكنية تريد أن تبيع لك أرضا...الأرض التي يقترحون علي مساحتها خمسون هكتارا...تقع أمام قصبة القنيطرة، على شاطئ النهر، لقد كانت في غاية الأهمية، إذ يشاع أنه من المحتمل إحداث ميناء في هذا المكان»

Souvenirs du vieux Maroc : Robert MUSSARD p15-16


ثم يضيف قائلا :

«في الواقع لم تحدد هذه الدواوير( الساكنية واولاد اوجيه والحدادة ) التي تملك آلاف الهكتارات حدود ملكية كل منها

.......

و بما أنني سويسري لم أكن مؤازرا من السلطات الفرنسية أو بالأحرى كنت أتعرض لعدوانها الغير المعلن بسبب اقتناء الأراضي»

p17 Souvenirs du vieux Maroc : Robert MUSSARD


لم يقع الاختيار على القنيطرة لخلق ميناء عسكري في البداية قبل فتحه في وجه الملاحة المدنية اعتباطا ولكن :


* للشروط الإنجليزية.

* لكون نهر سبو هو الوحيد القابل للملاحة وقد كان ذلك من الأسباب التي جعلت مولاي سليمان

يغلق ميناء المهدية سنة 1795 خشية التغلغل الأوروبي عبر سبو لاحتلال البلاد.

* لخصوبة السهول المجاورة و التي تفوق خصوبتها خصوبة سهول الشاوية مما شجع على تدفق " المعمرين عليها".

* لربح المسافة الفاصلة بين القنيطرة و الدار البيضاء لنقل العتاد الحربي .

* للاعتقاد أن شمال إفريقيا ومن ضمنها المغرب جزء من فرنسا.


وإمعانا في محو الذاكرة قامت السلطات الكولونيالية ب :

* هدم قنطرة الفورات.

* تغيير مجرى واد الفورات.

* هدم القصبة سنة 1919 رغم أن ظهير20 نونبر 1912 المنشور بالجريدة الرسمية رقم 5 و الذي ينص على الحفاظ على المآثر و الكتابات التاريخية لم يتم احترامه بالنسبة لقصبة القنيطرة حيث تم تخريبها بعد إجلاء التجمع السكاني الذي كان يحيط بها..

* تغيير اسم القنيطرة سنة 1932 .


إن ما قام به " ليوطي " هو إحداث مدينة أوروبية على الطراز الكولونيالي مثلما فعلت بلجيكا في الكونغو بإحداث " إيليزابيث ﭬيل " Elisabethville (Lubumbashi) هناك إقليم كطانڴا الغني بالمعادن وهنا سهول الغرب بخصبها ،وميناء القنيطرة كمنافس لميناء العرائش وميناء طنجة .


إنها "عملية مسح جيدة" كما قالت جان دارك Jeanne d’Arc


ومن غرائب ما تنقله جل الدراسات الكولونيالية ، كون المسجد الذي يوجد بقصبة القنيطرة لم تقم به صلاة قط !!! إلا أن الواقع هو أنه تم تحويله من طرف قوات الاحتلال إلى سكني المراقب المدني الفرنسي.


هنا يتبادر التساؤُل عن سبب الدعوة في المدة الأخيرة إلى الإشادة بالفترة الكولونيالية. ووجوب إيقاف عملية مسح الذاكرة التي تعرضت لها القنيطرة و محاولة جعل الفترة الكولونيالبة متألقة مقابل طمس التاريخ المحلي الذي يستحق كل اهتمام .


إذا كانت بعض الجهات تستعد لتخليد الذكرى المئوية لمدينة "ميناء ليوطي" ، فيجب أن تنتظر 2032 ،حيث أن اسم "ميناء ليوطي" لم يُفرض إلا في سنة 1932 ، ثم تستعيد القنيطرة اسمها على يد السلطان محمد الخامس سنة 1956 .

كخلاصة يحق لكل امرئ أن يتساءل : أليس تخليد الذكرى المئوية لميلاد « ميناء ليوطي»، هو في الواقع بعث للفترة لكولونيالية ؟ وتناس لكون المدينة المعنية اكتست رسميا بالألوان الوطنية ― تاريخيا و نضاليا ضد المحتل― بحيازتها لاسمها الحقيقي القنيطرة.

إن ما يُخشى هو أن تُؤدي هذه السيرورة إلى دعوة مماثلة لتخليد ذكرى احتلال البلاد سنة 1911. أو بذكرى أليمة أخرى مما عرفته المنطقة إبان الفترة الكولونيالية.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire